استطاعت الولايات المتحدة الانفراد بحكم العالم «تقريبًا» عقب سقوط الاتحاد السوفييتي نهاية القرن العشرين، وقد دشنت حينئذٍ حقبة أطلقت عليها النظام العالمي الجديد، حيث لم يعد هناك قطبان يحكمان العالم، بل قطب واحد فحسب هو الولايات المتحدة الأمريكية، ومن خلال هذا المفهوم شرعت في مدِّ نفوذها لتحويل العالم لبوتقة واحدة ضخمة مصطبغة بالمنظور الأمريكي، في واقع الأمر سعت الولايات المتحدة لتقسيم دول العالم؛ طبقًا لطبيعة العلاقات التي تجمعها بهم، فبعض الدول حليفة وأخرى صديقة والقليل منها صنفته بمحور الشر، وقد سعت الولايات المتحدة بكل ما تملك من قوة للسيطرة على المفاصل السياسية والعسكرية والاقتصادية لغالبية دول العالم بصور شتى.
تتدخل الولايات المتحدة في شؤون الدول الداخلية لأسباب عديدة، لعل أهمها هو الرغبة في التغلغل في بنية النظام الحاكم تمهيدًا للسيطرة عليه، وهناك العديد من الآليات التي تتبعها الولايات المتحدة كستار تخفي به حقيقة تدخلها في شؤون الدول الأخرى، كمنظمات حقوق الإنسان على اختلافها والتي تمكن الولايات المتحدة من انتقاد بعض الحكومات وقتما ترغب، ومن خلال هذه الكيانات تفاوض النظم الحاكمة على مصالح الولايات المتحدة فحسب.
غير أنه بخلاف ما سبق، تلعب الولايات المتحدة دورًا خطيرًا على المستوى العالمي، وهو نفس الدور الذي يلعبه الطابور الخامس في أي دولة من ترويج للأفكار المغلوطة ونشر الشائعات المضللة وتنظيم الحروب النفسية بل وتسريب معلومات استخباراتية مهمة إن اقتضى الأمر ذلك في بعض الأحيان، فالولايات المتحدة لا تقدم معلومات أو مساعدات مجانية أبدًا لأي طرف، وكل مساعدة تقدمها تأخذ في مقابلها عشرات الفوائد والامتيازات.
من خلال استقراء التاريخ يتبين بوضوح أن صداقة الولايات المتحدة لبعض الدول ما هي إلا قنبلة موقوتة في انتظار لحظة الانفجار، فالحكومات الأمريكية لا ترغب في عقد تحالفات عميقة، بل تريد تحقيق أقصى استفادة ممكنة من موارد كل دولة، ولو قمنا بتحليل جميع العلاقات التي تربط الولايات المتحدة بالدول الأخرى فسنجد أنها عادة ما تتوتر عقب فترة الصفاء سواء طالت أم قصرت، فصديق اليوم في العُرف الأمريكي قد يكون عدو الغد وعدو اليوم قد يكون صديق الغد.
لو عدنا قليلًا للوراء، وتحديدًا لما يقرب من العقود الأربعة، فسنجد أن الولايات المتحدة دعمت الخميني في منفاه الفرنسي بعد أن لاحظت أن شعبية الشاه السابق بدأت تنهار، وكان من الواضح أنها تأمل أن يصبح الخميني الحليف القادم بدلًا من الشاه، لكن العلاقة بين الخميني والحكومة الأمريكية بدأت في التعقد بسبب أزمة الرهائن التي نتجت بسبب استضافة الولايات المتحدة للشاه للعلاج قبل أن تطلب منه المغادرة خوفًا على مصالحها.
وانتقامًا من النظام الخميني أوعزت الولايات المتحدة لصدام حسين بأن يقوم بضرب إيران من خلال عملية عسكرية محدودة المدى، بعد أن أوهمته بأنها ستكون الداعم العسكري والاستخباراتي له، غير أن المعركة القصيرة المحدودة تحولت بفعل عوامل كثيرة -أهمها الولايات المتحدة نفسها- لواحدة من أطول وأشرس المعارك العسكرية في التاريخ الحديث، حتى أنها استمرت لقرابة السنوات الثماني التي خلفت ملايين الضحايا من القتلى والمصابين.
أدرك طرفا الصراع العراقي والإيراني أن الحرب استنزفت مواردهما بالكامل، وقد بدا واضحًا آنذاك أن الولايات المتحدة كانت تسعى لإطالة أمد الحرب وإنهاك الطرفين، وقد لاحظ العسكريون العراقيون وقتئذٍ أن المعلومات الاستخباراتية التي كانت الولايات المتحدة تقدمها للعراق كانت تصيب مرة وتخطئ مرات، وهو ما دعا العراقيين إلى استنتاج حقيقة الأمر؛ وهو تعمد أمريكا توفير معلومات مغلوطة للعراق حتى لا تنتهي الحرب أبدًا، وفي الوقت الذي كانت توفر فيه للعراق دعمًا عسكريًا، كان هناك دعم آخر يصل لإيران من إسرائيل وبعض دول حلف الناتو.
تزايدت وقتذاك شكوك العراقيين بشأن الأمريكيين، وبما إذا كان هدف الأمريكيين هو المساعدة الصادقة أم الحصول على معلومات استخباراتية ثمينة وتسريبها للطرف المعادي، وما عمّق تلك الشكوك هو أنه بمجرد أن يحقق العراق انتصارًا عسكريًا في أحد معاركه ضد إيران، فإنه سرعان ما يعود للانتكاس، والعكس كان صحيحًا أيضًا مع إيران، ومن المؤسف أن العراق وإيران لم تكونا الدولتين الوحيدتين المتضررتين من تلك الحرب، فقد كانت جميع دول المنطقة منخرطة في الصراع ولو حتى بشكل غير مباشر من خلال دعم العراق ماليًا.
كثيرة هي المرات التي تأكدت خلالها النوايا الأمريكية الخبيثة، لعل أشهرها القرار الأممي المتعلق بنزع أسلحة الدمار الشامل العراقية، وقد تم استخدامه كأداة لمعرفة دقائق الوضع الميداني على الأرض في العراق، وقد أصبح من المسلم به أن مفتشي أسلحة الدمار الشامل كانوا يعطون معلومات دقيقة عن المقار والقواعد العسكرية العراقية للأمريكيين، كما أنهم خلال تفتيشهم للقصور الرئاسية -بدعوى البحث عن أسلحة دمار شامل- كانوا ينقلون أدق المعلومات والإحداثيات عن الأماكن التي يمكن استهدافها، وهو ما سهل مهمة الإطاحة بالنظام العراقي خلال 3 أسابيع فحسب.
في حقيقة الأمر، أتوجس كثيرًا عند معرفتي بتدخل الولايات المتحدة الأمريكية في أي دور وساطة بين الدول، فالولايات المتحدة تلعب دورًا لافتًا في إطالة أمد أي صراع لتتمكن من تحقيق أقصى استفادة ممكنة لها من أطراف الصراع.
تتدخل الولايات المتحدة في شؤون الدول الداخلية لأسباب عديدة، لعل أهمها هو الرغبة في التغلغل في بنية النظام الحاكم تمهيدًا للسيطرة عليه، وهناك العديد من الآليات التي تتبعها الولايات المتحدة كستار تخفي به حقيقة تدخلها في شؤون الدول الأخرى، كمنظمات حقوق الإنسان على اختلافها والتي تمكن الولايات المتحدة من انتقاد بعض الحكومات وقتما ترغب، ومن خلال هذه الكيانات تفاوض النظم الحاكمة على مصالح الولايات المتحدة فحسب.
غير أنه بخلاف ما سبق، تلعب الولايات المتحدة دورًا خطيرًا على المستوى العالمي، وهو نفس الدور الذي يلعبه الطابور الخامس في أي دولة من ترويج للأفكار المغلوطة ونشر الشائعات المضللة وتنظيم الحروب النفسية بل وتسريب معلومات استخباراتية مهمة إن اقتضى الأمر ذلك في بعض الأحيان، فالولايات المتحدة لا تقدم معلومات أو مساعدات مجانية أبدًا لأي طرف، وكل مساعدة تقدمها تأخذ في مقابلها عشرات الفوائد والامتيازات.
من خلال استقراء التاريخ يتبين بوضوح أن صداقة الولايات المتحدة لبعض الدول ما هي إلا قنبلة موقوتة في انتظار لحظة الانفجار، فالحكومات الأمريكية لا ترغب في عقد تحالفات عميقة، بل تريد تحقيق أقصى استفادة ممكنة من موارد كل دولة، ولو قمنا بتحليل جميع العلاقات التي تربط الولايات المتحدة بالدول الأخرى فسنجد أنها عادة ما تتوتر عقب فترة الصفاء سواء طالت أم قصرت، فصديق اليوم في العُرف الأمريكي قد يكون عدو الغد وعدو اليوم قد يكون صديق الغد.
لو عدنا قليلًا للوراء، وتحديدًا لما يقرب من العقود الأربعة، فسنجد أن الولايات المتحدة دعمت الخميني في منفاه الفرنسي بعد أن لاحظت أن شعبية الشاه السابق بدأت تنهار، وكان من الواضح أنها تأمل أن يصبح الخميني الحليف القادم بدلًا من الشاه، لكن العلاقة بين الخميني والحكومة الأمريكية بدأت في التعقد بسبب أزمة الرهائن التي نتجت بسبب استضافة الولايات المتحدة للشاه للعلاج قبل أن تطلب منه المغادرة خوفًا على مصالحها.
وانتقامًا من النظام الخميني أوعزت الولايات المتحدة لصدام حسين بأن يقوم بضرب إيران من خلال عملية عسكرية محدودة المدى، بعد أن أوهمته بأنها ستكون الداعم العسكري والاستخباراتي له، غير أن المعركة القصيرة المحدودة تحولت بفعل عوامل كثيرة -أهمها الولايات المتحدة نفسها- لواحدة من أطول وأشرس المعارك العسكرية في التاريخ الحديث، حتى أنها استمرت لقرابة السنوات الثماني التي خلفت ملايين الضحايا من القتلى والمصابين.
أدرك طرفا الصراع العراقي والإيراني أن الحرب استنزفت مواردهما بالكامل، وقد بدا واضحًا آنذاك أن الولايات المتحدة كانت تسعى لإطالة أمد الحرب وإنهاك الطرفين، وقد لاحظ العسكريون العراقيون وقتئذٍ أن المعلومات الاستخباراتية التي كانت الولايات المتحدة تقدمها للعراق كانت تصيب مرة وتخطئ مرات، وهو ما دعا العراقيين إلى استنتاج حقيقة الأمر؛ وهو تعمد أمريكا توفير معلومات مغلوطة للعراق حتى لا تنتهي الحرب أبدًا، وفي الوقت الذي كانت توفر فيه للعراق دعمًا عسكريًا، كان هناك دعم آخر يصل لإيران من إسرائيل وبعض دول حلف الناتو.
تزايدت وقتذاك شكوك العراقيين بشأن الأمريكيين، وبما إذا كان هدف الأمريكيين هو المساعدة الصادقة أم الحصول على معلومات استخباراتية ثمينة وتسريبها للطرف المعادي، وما عمّق تلك الشكوك هو أنه بمجرد أن يحقق العراق انتصارًا عسكريًا في أحد معاركه ضد إيران، فإنه سرعان ما يعود للانتكاس، والعكس كان صحيحًا أيضًا مع إيران، ومن المؤسف أن العراق وإيران لم تكونا الدولتين الوحيدتين المتضررتين من تلك الحرب، فقد كانت جميع دول المنطقة منخرطة في الصراع ولو حتى بشكل غير مباشر من خلال دعم العراق ماليًا.
كثيرة هي المرات التي تأكدت خلالها النوايا الأمريكية الخبيثة، لعل أشهرها القرار الأممي المتعلق بنزع أسلحة الدمار الشامل العراقية، وقد تم استخدامه كأداة لمعرفة دقائق الوضع الميداني على الأرض في العراق، وقد أصبح من المسلم به أن مفتشي أسلحة الدمار الشامل كانوا يعطون معلومات دقيقة عن المقار والقواعد العسكرية العراقية للأمريكيين، كما أنهم خلال تفتيشهم للقصور الرئاسية -بدعوى البحث عن أسلحة دمار شامل- كانوا ينقلون أدق المعلومات والإحداثيات عن الأماكن التي يمكن استهدافها، وهو ما سهل مهمة الإطاحة بالنظام العراقي خلال 3 أسابيع فحسب.
في حقيقة الأمر، أتوجس كثيرًا عند معرفتي بتدخل الولايات المتحدة الأمريكية في أي دور وساطة بين الدول، فالولايات المتحدة تلعب دورًا لافتًا في إطالة أمد أي صراع لتتمكن من تحقيق أقصى استفادة ممكنة لها من أطراف الصراع.